قدر الفلسطينيين اليوم العيش تحت أقسى احتلال في العالم، يصادر حريتهم ويحبس أنفاس أحرارهم خلف قضبان سجونه، لا لشيء إلا لأنهم يدافعون عن حقوق شعبهم المعترف بها عالميا ورسميا.
واليوم سجون المحتل تضيق بآلاف الأسرى والمعتقلين، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، وما أكثر داخليها اليوم !!!
فتلاحظ أن الاحتلال اعتاد شن حملات اعتقال يومية في المناطق الفلسطينية، هذه الحملات لا تفرق بين شيخ ولا امرأة ولا طفل ولا شاب، ولا حتى ناحية في الوطن.
ولا شك أن الاحتلال مستمر في حملاته منذ بداية احتلاله للأرض الفلسطينية، وعند تشخيصي للعديد من حالات وظروف الاعتقال من داخل السجون ومعايشتي لها عبر مرحلتين من الاعتقال، ألخص بعض الملاحظات السريعة، لكنها عناوين يكتب فيها الكثير، تتمثل ملاحظاتي في الآتي:
أولا: مبررات الاعتقال اليوم لا تستند لأي سند قانوني أو انساني، ويستخدم الاحتلال أية كلمة أو ثغرة في حديث المعتقل أثناء التحقيق معه، أو أي ذكر لأي شخص، في تحويلها الى اعتراف يتم اعتقاله ومحاكمته عليه، وإذا أفلس الادعاء في توجيه أية تهمة للمعتقل يتم تحويله الى الاعتقال الاداري.
ثانيا: تحاول الشرطة الصهيونية تزييف الكثير من الافادات، وإلصاق التهم للمعتقل جزافا أثناء كتابة افادته، ومن أمثلة هذه القضايا أية علاقة مع شخص غير مرغوب من قبل المخابرات الاسرائيلية، أو مطلوب أو الانتماء لأي تنظيم فلسطيني، أو التخطيط أو الاعمال النقابية والنشاطات الخيرية والعضوية في جمعيات خيرية أو منظمات مقاومة سلمية أو أنشطة صحفية تتناول اجراءات الاحتلال القمعية والارهابية بحق المواطنين الفلسطينيين.
هذا بالنسبة للتهم الواضحة التي توجه للمعتقل بشكل مباشر، ويتم محاكمته على أساسها، لكن هناك تهم أخرى توجه للمعتقل وتتصف بهامش أوسع من العمومية، مثل تهديد أمن المنطقة، الانتماء لتنظيمات غير مشروعة، القيام بأنشطة غير قانونية، قناعات سيئة، اجراءات وقائية وغيرها، ويتم تمديد المعتقل على ذمة الاعتقال الاداري، ولا يعلم أحد موعد افراج المعتقل الا الله.
فلا شك أن المعايير التي يعتقل عليها المواطنون الفلسطينيون ويزجون على أساسها في السجون الاسرائيلية هي معايير في غاية الظلم والاجحاف وتمثل تجاوزا للقانون الدولي والانساني، وغاية في الاعتداء على الحقوق الخاصة بالافراد في المناطق المحتلة.
ثالثا: الاجراءات المتبعة داخل السجون الصهيونية قائمة على أساس اذلال الاسير، فلا يخلو أي تعامل أو أي سلوك يقوم به السجانون من استهداف لكرامة الاسير، وامتهان هذه الكرامة واذلاله، وهذا سبب رئيس في الكثير من الاشكاليات والتصعيد المتكرر والعديد من الخطوات الاحتجاجية التي تحدث في مختلف السجون.
حيث التحكم في كل شيء، حتى في نفس الأسير ووقته، وراحته وطعامه وشرابه، بل في علاقات الاسرى ومحاولة اختراقها، بالاضافة الى الجوانب الثقافية والتوعوية، والتحكم بالفضائيات وحجب بعضها ومنع ادخال الكتب، ووقف الانتساب الجديد للجامعة العبرية.
رابعا: الحياة الاعتقالية في السجون تتراجع يوما بعد يوم، ومن مظاهر هذا التراجع امعان مصلحة السجون في الاساليب القمعية والاذلالية، والمحاولات المستمرة لسحب الانجازات التي حققها الأسرى بالدماء، والنضال المضني والشاق عبر سنوات الاعتقال الفلسطينية المريرة والطويلة في السجون الصهيونيةة، تحت ذرائع مختلفة.
خامسا: يلاحظ اصرار ادارات السجون على عكس تقلبات الأحوال السياسية في المحتلأو مع السلطة وحماس على داخل السجون، والانتقام من الأسرى، بصفتهم جزءا من الواقع السياسي الفلسطيني، وتصر على تحميل الأسرى مسؤولية أي اخفاق في الملفات المختلفة المتعلقة بالقضية الفلسطينية وسياسات الحكومة الاسرائيلية القمعية في التعامل مع الملفات المختلفة، وخصوصا ملف الجندي شاليط المختطف من قبل حماس، وصفقة الافراج عنه، حيث شكل مجلس الوزراء الاسرائيلي لجنة أمنية للتضييق على الاسرى، وسحب انجازاتهم بعد فشل الجهود لاتمام صفقة شاليط، وخلق واقع اعتقالي أسوأ.
سادسا: العوامل النفسية غير غائبة عن سياسات مصلحة السجون الصهيونية، واستهدافها لنفسية المعتقل عبر تطبيق هذه سياسات الاذلال والتضييق والحرمان والقسوة، بهدف هز كيان المعتقل والتأثير على معنوياته، ومعاقبته والانتقام منه.
هذه المظاهر الاعتقالية وغيرها متكررة وصعبة وممنهجة وتسود داخل كافة المعتقلات الاسرائيلية، لكنها نقطة في بحر السلوك اليومي الذي تمارسه ادارات السجون الصهيونيةبحق الأسرى الفلسطينيين، ناهيك عن الاعتقال وما يرافقه من اعتداء واذلال مستمر، اضافة الى تنقلات الأسرى بين السجون ومشقاتها المختلفة، وكلها حياة مليئة بالقسوة والعذاب، ولا بد من الخروج من نسق الاستنكار والامتعاض لأوضاع أسرانا ومعتقلينا، والذي يغلب على مؤسساتنا التي الخاصة بالأسرى، مع التقدير لكافة الجهود الهادفة لإظهار حال الأسرى المأساوية في قلاع أسرهم، لكن هذه الجهود لا تكفي وحدها.
أسرانا بحاجة الى تدخل جاد من قبل كافة المؤسسات والدول والضغط القوي على حكومة الصهيونية للاطلاع بشكل أكثر قربا على الأوضاع الاعتقالية الحقيقية داخل السجون، ووقف المآسي اليومية والحالات الانسانية النادرة في العالم والآلام المتكررة التي يحياها آلاف المعتقلين المغيبة حريتهم خلف قضبان القيد الاسرائيلي.
السبت سبتمبر 12, 2009 1:18 am
