نقلت صحيفة "هاآرتس" عن مسؤولين كبار في الحكومة الأمريكية قولهم إن المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل تمكَّن من الحصول على تعهُّدات من العديد من الدول العربية بالتطبيع مع الاحتلال.
وتعدُّ هذه الخطوة واحدة من المسائل الرئيسية التي يأمل الكيان الصهيوني في الحصول على إجابة عليها من ميتشل.
رفض الإعلان عن الدول التي قدمت التعهُّدات
وقالت مصادر في مكتب رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو: "إن ميتشل نجح في الحصول على تلك التعهُّدات خلال محادثاته مع هذه الدول"، رافضة تحديد الدول التي قدَّمت هذه التعهُّدات، في الوقت الذي لا تزال بعض الدول العربية ترفض تقديم أي شيء إلى الاحتلال.
ووفقًا لمسؤولي الولايات المتحدة فإن بعض الدول العربية وافقت على السماح للاحتلال بفتح مكاتب له في أراضيها، والبعض الآخر وافق على منح تأشيرات دخول لرجال الأعمال الصهاينة والسياح، والبعض الثالث عرض السماح بالاتصالات الهاتفية المباشرة بين الجانبين.
من جانبه قال عمرو موسى أمين عام "الجامعة العربية" في مؤتمرٍ صحفيٍّ عقده الأحد الماضي إنه لن يكون هناك مكانٌ لأية خطوات نحو التطبيع؛ لأن "(إسرائيل) تصر على المضي قدمًا في بناء (الاستيطان)".
تجريم التطبيع
وباستعراض مواقف بعض الدول والهيئات العربية ففي شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، كان برلماني يمني تقدَّم بمشروع قانونٍ يجرِّم التطبيع مع الاحتلال؛ وذلك في إطار التضامن الشعبي اليمني مع قطاع غزة.
وأكد النائب محمد الحزمي من "كتلة حزب الإصلاح" المعارض ضرورة إقرار مشروع القانون ليكون "رادعًا لكل من تسوِّل له نفسه إقامة أية علاقة -أيًّا كان نوعها- مع الكيان الصهيوني، ولما أحدثه هذا التطبيع من شقٍّ لصف العرب والمسلمين وإضعافٍ لموقفهم".
ويضم مشروع القانون عشر مواد تمنع التعامل مع الاحتلال أو إقامة أي اتصالات أو علاقات من أي نوع سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، أو فتح مكاتب تمثيل للعدو بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك حظر التوقيع على اتفاقيات أو بروتوكولات مع الكيان.
واعتبر المشروع أن "التعامل مع الكيان بأي شكل من الأشكال والنزول عن أية ذرة من تراب فلسطين تحت أي مسمى، خيانة عظمى توجب المساءلة والعقوبة المنصوص عليها في القوانين النافذة في اليمن، والتي تصل إلى حد الإعدام.. وهناك عقوبة تصل إلى حد السجن عشر سنوات لكل من يقوم بأي اتصال مع الاحتلال أو قام بتطبيع ثقافي أو تجاري أو سياسي، كما أنه يحرم من تولِّي أي منصب في الدولة أو إدارة أية مؤسسة تابعة لها".
وعن الدافع وراء تقديم هذا المشروع، قال الحزمي إنه "جاء عقب انكشاف بعض الأنظمة العربية التي شاركت في طعن المقاومة من الظهر، وتحوَّلت إلى دولٍ تعين العدو على إخوانهم المقاومين".
وأضاف أنه "باسم التطبيع عقدت الاتفاقيات، وباسم الاتفاقيات كٌبلت الجيوش العربية من القيام بواجبها في الدفاع عن أبناء فلسطين، ولهذا يجب على البرلمانات العربية أن تتحرَّك وأن تفهم أن التطبيع هو السبب الرئيسي في شق صف الأمة والأنظمة".
وأكد أن فلسطين "ملكٌ لكل مسلم؛ لا يجوز لأيٍّ كان، حاكمًا أو محكومًا، أن ينزل عن جزءٍ منها للعدو الصهيوني، وكل حاكم وافق على التطبيع مع اليهود باسم "مبادرة السلام" يجب أن يخضع للمساءلة، وعليهم أن يحترموا آراء شعوبهم ويأخذوا بخياراتهم".
التطبيع فشل ذريع
من جهة أخرى ترددت في الأردن عبارة "اليوم المشؤوم" أكثر من مرة في وصف ذكرى توقيع معاهدة "وادي عربة" من قِبل مشاركين في "المؤتمر الوطني لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني"، الذي انعقد نهاية العام الماضي في العاصمة الأردنية عمَّان، في الذكرى الرابعة عشرة لتوقيع معاهدة السلام الأردنية الصهيونية.
وتحوَّل المؤتمر -الذي ناقش أوراق عمل عديدة- إلى ما يشبه "احتفالية" لمقاومي التطبيع نتيجة ما وصفوه بـ"فشل التطبيع" على المستوى الشعبي رغم الرعاية والحظوة التي نالها من قبل المؤسسة الرسمية الأردنية.
ونظمت المؤتمرَ لجنة مقاومة التطبيع في النقابات المهنية، وشاركت فيه المؤسَّسات والشخصيات الناشطة في مقاومة التطبيع، وضمَّ المؤتمر تجمعًا حاشدًا لقوى المعارضة الإسلامية واليسارية والقومية التي يعتبر ملف مقاومة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني أبرز مفاصل توحُّدها رغم تفاصيل الخلاف العديدة بينها.
وقال وقتها بادي الرفايعة رئيس "لجنة مقاومة التطبيع النقابية" إن "الأردنيين لم يقبلوا بمعاهدة "وادي عربة"، ولا يقرُّون بشرعيتها، ولن يقبلوا بأية علاقة مع العدو المجرم أو التطبيع معه".
وأضاف: "يمكننا أن نؤكد بعد مرور 14 عامًا على المعاهدة فشل التطبيع، وأن أغلب محاولات العدو الصهيوني في التطبيع والاندماج في المنطقة فشلت بالرغم من الرعاية والدعم غير المحدود الذي تلقاه رسميًّا".
وناقشت أوراق العمل المشارِكة في المؤتمر محاور اقتصادية وسياسية وثقافية وقانونية أعادت تفكيك ملف التطبيع والسلام الأردني الصهيوني.
حبر على ورق!
وفي البلد ذاته فإن رئيس مجلس النقباء عبد الهادي الفلاحات يتفق مع ما ذهب إليه الرفايعة؛ حيث رأى أن "14 سنة من التطبيع الرسمي لم تفلح في جعل الأردنيين يقبلون الكيان الصهيوني بقدر ما أخرجت الأردن من دائرة الصراع مع العدو وحيَّدته تمامًا".
وأضاف الفلاحات في تصريحاتٍ صحفيةٍ: "الأهم أن المعاهدة ظلت حبرًا على ورق، بمثابة إعطاء شرعية لهذا الكيان الغاصب مجانًا دون أي مقابل"، متسائلاً: "هل أعادت إلينا المعاهدة أرضًا محتلة أو مياهًا منهوبة أو حققت لنا أمنًا أو رخاءً أو وضعت حدًّا للأطماع الصهيونية في المنطقة؟!.. فأم الرشراش الأردنية ظلت "إيلات"، والباقورة الأردنية ظلت مغتصبة".
مظاهرات في مصر
وفي جمهورية مصر العربية تواصلت ردود الأفعال في كثيرٍ من المرات رفضًا لكل مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني، وطالب مشاركون في مسيرات في عدد من الجامعات المصرية بوقف كافة أشكال التطبيع مع العدو، كما اعتصم عدد من نواب البرلمان المصري وطالبوا هم الآخرون بوقف كل أشكال التطبيع مع الاحتلال.
قمة الدوحة تدعو إلى وقف كل أشكال التطبيع
وكانت قمة غزة التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، دعت الدول العربية إلى وقف كل أشكال التطبيع والعلاقات مع الاحتلال وتفعيل مقاطعته.
وجاءت مطالبات القمة إبَّان الحرب الصهيونية التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة وراح ضحيتها أكثر من 1500 شهيد وأكثر من ستة آلاف جريح؛ الغالبية العظمى منهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وأكدت القمة السعي إلى ملاحقة الاحتلال قضائيًّا لتحميله مسؤولية ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، ومطالبته بدفع التعويضات للمتضررين، كما وثمَّن بيان القمة قرار قطر وموريتانيا تجميد علاقاتهما مع العدو الذي أعلناه خلال القمة.
وأكد رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في مؤتمرٍ صحفيٍّ عقب إعلان البيان الختامي للقمة، أن قطر قررت إغلاق المكتب الصهيوني في الدوحة، وإبلاغ العاملين فيه ضرورة مغادرة البلاد في أقرب فرصة.
جبهة مقاومة التطبيع
ويتمترس مئات الكتاب والمثقفين العرب خلف جبهة مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويرفضون ذلك بشدة، ويعتبرون أن دعوات التطبيع تدخل في إطار الهرولة والتمسح بأيادي مجرمي الحروب.
ويقول هؤلاء الكتاب والمثقفون إن دعاة هذا المنطق (التطبيع) حكموا على أنفسهم بالبوار منذ أن ارتهنوا بكليتهم للآخر، وركبوا موجة "السلام" المزعوم، وقلعوا برقع الحياء دفعة واحدة، وباتوا يتبارون ويتسابقون في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، متناسين في غمرة لهوهم واستخذائهم للآخر أن بحور الدماء التي صنعها العدو الصهيوني بينه وبين العرب لن تجف في يوم من الأيام، ولا يمكن اجتيازها إلا بقضاء أحد الطرفين على الآخر قضاءً مبرمًا.
قضية خطيرة
وتبقى قضية التطبيع مع العدو الصهيوني قضية خطيرة يشار إليها بإصبع الاتهام والريبة والشك، ويدخل دعاتها في أبواب مشبوهة وخطيرة؛ ليس أصغرها باب العمالة والارتماء في حضن الاحتلال وخيانة دماء الشهداء وبكاء الأسرى وصيحات المكلومين.
وعلى كل الأحوال سيُكتب لهذه القضية الفشل الذريع في ظل وجود جبهة مقاومة قوية تقف سدًّا منيعًا أمام إتمام قضية التطبيع والهرولة نحو الكيان الصهيوني، وإن هذا التطبيع يفشل عامًا بعد عام، خاصة بعد حالة النضج والوعي السياسي الذي يتسلل إلى الشعوب العربية والإسلامية التي باتت تفيق من سباتها، وأصبح لديها القدرة الكافية للتفريق بين الحق والباطل.