حالة الهدوء التي تبدو عليها مدينة رفح المصرية الملاصقة للشريط الحدودي مع قطاع غزة، لا تعني أن المدينة استكانت للحصار الأمني المحكم الذي تفرضه قوات الأمن المصرية عليها، فهناك وسائل أخرى لا تبدو في مقدمة المشهد، يمارس 'الرفحيون' عبرها نشاطهم الذي لا يهدأ، ويزاولون تجارتهم النشيطة بتهريب السلع إلى القطاع الفلسطيني المحاصر تحت الأرض، عبر الأنفاق، أو من خلف الأبواب، حتى تحولت رفح كلها إلى مدينة تعيش في الخفاء.
المحال التجارية المغلقة، المتاريس الأسمنتية والحديدية، الانتشار الكثيف لمليشيا حماس في كل الطرق، مشاهد صارت معتادة في الحياة اليومية لمدينة رفح الحدودية، لكن هذا 'الروتين' اليومي الذي يبدو معه أن المدينة تعيش حالة سكون عميقة، يخفي عالما خفيا من التعاملات السرية النشيطة من وراء الأبواب المغلقة، وعبر أنفاق التهريب التي صارت استثمارا مضمون الربح لسكان المدينة، الذين هجروا الزراعة ومتاعبها، ومكاسبها الزهيدة إذا ما قورنت بأرباح الأنفاق.
توفيق محمود حسونة مزارع من سكان رفح يقول إن المدينة هجرها كثير من سكانها، واشتروا أو استأجروا مساكن بديلة في العريش والشيخ زويد، نتيجة التعقيدات الأمنية، وآثار القصف الإسرائيلي والتوتر الدائم عند الشريط الحدودي.
ويضيف حسونة أن تجارة الأنفاق مربحة وتحقق الثراء، ولكن ضريبة الثراء هي الخطر الدائم ومطاردة مليشيا حماس لهم باستمرار حتى أن أثرياء رفح التقليديين هربوا إلى استثمار أموالهم في القاهرة بدلا من ضخها في مشروعات بالمدينة.
وقد ضاعف شهر رمضان من نشاط المدينة، التي تحيا خلف الأبواب المغلقة، حيث تتدفق عبر شرايين الأنفاق كميات مضاعفة من الأغذية والملابس والأجهزة المنزلية، والأدوات المدرسية، إضافة إلى احتياجات عيد الفطر المبارك.
رفح المدينة القديمة أهملت فيها الزراعة عن عمد، نتيجة اتجاه السكان إلى 'بيزنس الأنفاق' الذي يدر ربحا وفيرا يغني عن هموم الزراعة وخسائرها- على حد وصف 'أبو سليمان' أحد المزارعين الذين هجروا الزراعة واتجهوا إلى التجارة عبر الأنفاق- واتجه أولاده إلى العمل في مجال النقل عبر الشاحنات من مدن الشيخ زويد إلى رفح، وهو نشاط يشهد ازدهارا غير مسبوق، إذ تحصل الشاحنة ذات حمولة أربعة أطنان على 250 جنيها في مسافة لا تتجاوز 15 كيلو مترا.
وبات من المشاهد المألوفة أيضا في شوارع رفح أن تشاهد شبانا من العاملين في تجارة الأنفاق يجوبون شوارع رفح بسياراتهم بسرعات عالية في محاولة لجذب أنظار مليشيا حماس بعيدا عن موقع يراد أن يتم تهريب بضائع من خلاله.
ورغم الحذر الشديد من جانب أصحاب الأنفاق، فإن مليشيا حماس اعتمدت خطة من شقين لمحاولة السيطرة على الوضع العام في مدينة رفح، الأول إصدار أحكام غيابية وصلت إلى 800 حكم، بحسب تأكيد مصدر حمساوي، ضد غالبية مالكي المنازل الملاصقة للشريط الحدودي، ليبقوا دائما تحت السيطرة، وضمان عدم خروجهم من سيناء، والشق الثاني هو التضييق على نقل البضائع إلى مدينة رفح